في وقت تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي في قطاع التعليم عالميًا، تبرز قضية (التعليم الدامج) بوصفها اختبارًا حقيقيًا لقدرة السياسات التعليمية على مواكبة مفاهيم الشمول والعدالة. وفي هذا الإطار، جاء المؤتمر الوطني للإعاقة في سوريَة، ليضع التعليم الدامج والتقنيات المساعدة في صلب النقاش الأكاديمي والمؤسسي، كأدوات إستراتيجية لتمكين الأشخاص أصحاب الهمم، وليس كحلول هامشية أو ظرفية.
فقد جمع المؤتمر، الذي نظمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دمشق على مدى يومين برعاية الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، تحت شعار (التمكين والشمول والدمج)، جهات حكومية وأكاديمية ومنظمات دولية، وركّز في دور البحث العلمي والتأهيل المتخصص والتقنية في إعادة تصميم البيئة التعليمية، بما يضمن وصولًا أكثر إنصافًا واستدامة للأشخاص أصحاب الهمم.
ما هو التعليم الدامج؟
يُعرَّف التعليم الدامج (Inclusive Education) بأنه نهج تعليمي يهدف إلى إدماج جميع المتعلمين، بمن فيهم الأشخاص أصحاب الهمم أو ذوو الاحتياجات التعليمية الخاصة، في البيئة التعليمية العادية نفسها، بدل عزلهم في مؤسسات أو صفوف منفصلة. ويعتمد هذا النهج على توفير الدعم والتكييف اللازمين لتمكينهم من التعلم بفعالية، سواء على مستوى المناهج أو البيئة التعليمية أو أساليب التدريس، بما يضمن تعلّمًا فعّالًا ومتكافئًا للجميع.
ويأتي هذا التركيز على التعليم الدامج في ظل الحاجة المتزايدة إلى سياسات تعليمية مدعومة بالتقنية والبحث العلمي، تسهم في إزالة العوائق أمام الطلبة أصحاب الهمم، وتعزز فرصهم في التعليم والتأهيل والمشاركة المجتمعية، بعيدًا عن المقاربات القائمة على الرعاية فقط.
التقنية بوصفها أداة تمكين:
ناقش المؤتمر دور التقنيات المساعدة في دعم التعليم الدامج، لا بوصفها بديلًا عن العملية التربوية، بل كوسيلة لتقليل العوائق التعليمية، سواء من خلال:
- أدوات ومنصات رقمية مساعدة في التعلّم.
- تهيئة البيئات التعليمية لتكون أكثر إتاحة.
- دعم الكشف المبكر عن الاضطرابات النمائية وبرامج التأهيل.
وأكد العديد من الخبراء والمشاركين أن فاعلية هذه التقنيات ترتبط بوجود كوادر مؤهلة وبحث علمي تطبيقي قادر على تحويل الاحتياجات التعليمية إلى حلول عملية.
البحث العلمي والبرامج الأكاديمية:
وفي هذا السياق، أوضح معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مروان الحلبي، أن الوزارة تعمل على دعم البحث العلمي التطبيقي وتطوير أدوات التعلّم، بما يسهم في إنتاج حلول وتقانات مساعدة تخدم التعليم الدامج، إلى جانب العمل على تهيئة البيئات الجامعية لتكون متاحة بلا عوائق.
كما أعلن رئيس جامعة دمشق، الدكتور مصطفى صائم الدهر، خلال كلمته عن التوجه لافتتاح برامج ماجستير متخصصة في العلاج النفسي السريري العصبي والعلاج النفسي، والعمل على إحداث برنامج خاص باضطراب التوحد، وهي برامج أكاديمية تُعد ركيزة لتطوير المعرفة العلمية المرتبطة بالتأهيل والتعليم الدامج.
نماذج تطبيقية ودعم دولي:
تخلل المؤتمر عرض تقرير حول تجربة التعليم الدامج في سوريَة، إلى جانب أمثلة تطبيقية شملت تقديم سماعات طبية للأطفال، وتجارب تعليم مهني ساعدت أطفالًا من أصحاب الهمم في الاندماج في المجتمع، في نماذج تعكس التكامل بين الدعم التقني والتأهيل التربوي.
وبدورها، أكدت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان، انشراح أحمد، التزام منظمات الأمم المتحدة بضمان وصول الأشخاص أصحاب الهمم إلى المعلومات والخدمات، ومواءمة البرامج مع احتياجاتهم، وإشراكهم في مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.
وكان الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإنابة محمد صديق مضوي، قد نوه في وقت سابق، بضرورة تعزيز الوعي بشأن تطوير منصات رقمية تراعي احتياجات الجميع وتطبيق ممارسات تعليمية شاملة تضمن وصول الأطفال إلى فرص تعليمية متكافئة وتقديم حلول عملية وخطط دعم لتوفير بيئات تعليمية أكثر احتواءً، من خلال تطوير إستراتيجيات وتوفير أدوات التعلم الدامج للمعلمين والكوادر التربوية لتسهيل الوصول إلى المحتوى الأكاديمي وتهيئة البنية لتلبية احتياجات أصحاب الهمم.
وختامًا؛ يمثل هذا التحرك خطوة نحو بناء منظومة تعليمية تقنية في سورية، تنتقل من (سياسات الرعاية) إلى (إستراتيجيات التمكين الرقمي)، بما يضمن ألا يترك التحول الرقمي أحدًا خلف الركب.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط